انتشر في الأيام الأخيرة وصف المفكر الإسلامي.. ومع تحفظي على استخدام هذا المسمى بإطلاق، أردت أن أقف وقفة مع تلك الظاهرة التي يطلق عليها المفكرون الإسلاميون.
الأمر قد زاد عن حده لدرجة أن صار كل كاتب لمقال، أو مصنف دراسة، أو كاتب كتاب أو باحث سياسي أو اجتماعي يسمي نفسه- أو يسميه الناس- مفكرا إسلاميا، كما ساهم في ذلك الإعلام العام والقنوات الفضائية المختلفة عبر الذين تستضيفهم وربما في بعض الأحيان لا تجد لهم وصفا يرفع قدرهم أمام المشاهد فتصفهم بذلك، ومع كل تقديري لكل كاتب وكل باحث، فإن الإيهام والهالة التي تحيط بصفة المفكر الإسلامي قد تحتاج منا لوضع بعض ضوابط هامة يمكن أن تفيد في الاستخدام بشكل إيجابي.
فماذا يقصدون بالمفكر الإسلامي؟! هل هو كثير التفكير في القضايا الإسلامية وبالتالي كثير الحديث فيها وكثير النشر حولها؟ أم أنه من حصل ثقافة نوعية في مجال الفكر الإسلامي، فاستحق ذاك اللقب.. أو غير ذلك؟
أحسب أن مثل هذا اللقب أو غيره لا يعني شيئا بغير البحث في تقييم من يوصف به، فالمطلوب في أي متصدر لخطاب الناس حول الإسلام، خصوصا ممن يضع نفسه- أو يضعه الناس- مكان قيادة الرأي والتوجيه، أن يكون على قدر واسع من العلم بالشريعة وبالعقيدة وبالقيم والمبادئ الإسلامية، علما يمنعه من تصدير الخطأ أو السقوط في الخلل أو الزلل.
كذلك ينبغي أن يكون على قدر كبير من العلم بتاريخ الإسلام في عصوره المختلفة، وبصراعاته مع خصومه، وبالواقع الذي يحياه هذا الدين ومن يدينون به، وكذلك ما ينتظره من مستقبل على مختلف الأصعدة..
كذلك ينبغي أن يكون عارفا بمذاهب الإسلاميين، والمذاهب الفكرية العالمية التي أثرت في الأمة الإسلامية وفي غيرها، ومواطن الخلل والنقد فيها، وأصحاب تلك الأفكار والمذاهب وأساليبهم ورؤيتهم في بثها.
الحق الذي لا شك فيه أن كل مثقف لا يعتبر مفكرا، لكن الثقافة الواسعة والاطلاع الكبير الضارب عبر السنين، هو أساس من أسس التكوين السليم للمتصدر لقيادة الرأي وتوجيه الناس.
إن مستويات الناس في التعامل مع الأفكار يمكننا أن نعدها أربعة مستويات، المتعلمون والمثقفون والمتخصصون والمبدعون، وقد قسمهم البعض إلى ثلاثة أقسام هي المتعلمون والمثقفون والمفكرون.. وهؤلاء يجعلون المفكر في قمة هرم الإبداع، وبالتالي، وبالتطبيق على الحالة الإسلامية، فالمتمكن من هرم الأفكار العلمية والشرعية والواقعية هو المستحق لمكانة المفكر الإسلامي.
وتعترضنا هنا عقبة الخلط بين صفة العالم وصفة المفكر، وهو خلط كثيرا ما يحدث، فما نراه ممن يوصفون بالمفكرين الإسلاميين، هم قوم غالبا على قدر قليل من العلم الشرعي مع قدر كبير من الثقافة العامة والاطلاع بالواقع، كما أن إقحام تلك الصفة في وصف العلماء هو إقحام غير مرحب به عند كثير من المشتغلين بالعلوم.
على جانب آخر، فالفكر المتميز يتركب من ثلاثة عناصر، هي العلم والرؤية والإبداع، وهو منطبق على كل عالم متميز في مجاله، استطاع أن يثبت فيه إنجازا مشهودا.
إذن وباتفاق الرؤية، يجمع العالم صفة المفكر مع صفته المتخصصة، في حين يفتقد المفكر وصف العالم إلا لو مر بمراحله وجمع علومه وتخصص في مجاله..
فالوصف بالتفكير العام هكذا لا يعدو أن يكون وصفا دعائيا إعلاميا فحسب، ولا يملك أحد أن يطلق على آخر هذا الوصف إلا بعدما يتحقق له ما ذكرنا من عناصر وضوابط.
أمر آخر، على مستوى الواقع، نجد أننا كثيرا ما نؤتى من قبل من يتسمون بالمفكرين، فيسقطون في سقطات عقدية وعلمية وفقهية، وبعضهم تنحرف به رؤيته ويهوى به خياله فيرى نفسه فاهما لكل موضوع عارفا بكل موقف، فيبدأ في التصرف على اعتبار معرفته لكل شيء، فنرى أحدهم يتجرأ على تفسير آي القرآن وبعضهم على القول في دين الله.. إلخ.
مع الأسف الشديد فقد استغل البعض هذه الثلة من المفكرين للانتقاص من ثوابت هذا الدين، وبث الخلل بين صفوفه، ففتحوا لهم المجالات للكلام والتأويل بل والحديث في مستقبل الأمم ومواقفها.
إن كان العالم من حولنا نشر هذا الوصف واستخدمه وصار معروفا بين المثقفين، فليكن ضبطه عندنا، ولنطلب من هؤلاء تعلم ثوابت دينهم وأصول شريعتهم، وضوابط القول في ذلك، وأن يردوا الأمر لأهله.
الكاتب: خالد رُوشه.
المصدر: موقع المسلم.